تكوين المجتمع في بلاد الشام

إن ما أستبشر به في المستقبل القريب هو عودة التركيبة الطيبة الأصيلة لمجتمعنا السوري. إن الألم الأكبر الذي عانى منه كل أصيل وشريف في الغربة هو غياب الأصل والأخلاق بين أفراد هذا المجتمع الذي تشرذم وتفكك بسبب غياب القدوة السليمة والمثل الأعلى لكافة أطياف المجتمع، ولعدة أسباب أيضاً منها:  

  • الأسرة والعائلة…  

وهي الشكل الأول من أشكال القدوة السليمة للفرد وهو وليد بيئته: 

ذكرتها أولاً لاعتماد  التركيبة البدائية للمجتمع عليها، العائلة والمحيط من الأقارب والأهل، لطالما كانت تركيبة أساسية في كل مجتمع، وهي جيدة جداً في مكانها الأم الأصلي، لكنها تتفكك بسرعة الريح في أي مكان آخر. فالبدائي ممن يتبعها ويخافها يظن أن العبء الأخلاقي الذي لطالما تلون به قد ذهب في بلاد الغربة، فإذا به ينفض كل شيء من أصول وتربية ودين… بحمق وغباء، ظناً منه أنها تركيبة مجتمعية فقط حملها معه في حقائبه من موطنه الأم.  

  • غياب الأعراق والأصول…  

كمجتمع عائلي متلاحم عبر العصور، كان الاتباع للعادات والتقاليد الأصيلة التي انتقلت من جيل إلى جيل مرتبطاً بالقدوة والمثل الأعلى في المجتمع،   

تخيل معي، فقط لأنك وجدت على هذه الحياة وتقرأ هذه الكلمات يجب ان يكون لديك والدان، وهما بدورهما لديهما اثنان أخران فأصبح العدد أربعة، ومن ثم والدهما فأصبح العدد ثمانية، وثم والدهم فأصبح العدد ستة عشر وهكذا… فقط عدنا إلى جد والدك، وأغلبنا عاصر جده الأول أو الأكبر كما نسميه في مجتمعنا، فقط بعودتنا مائة عام للوراء، لم نعد لألف عام وأكثر… وهو العمر المقدر على أقل تقدير لمجتمعنا الذي نتوق إليه.

تخيل معي صديقي: ستة عشر شخصاً من الآباء والأمهات قضوا جميعاً، جهدوا طوال عمرهم لكي يورثوك سمعة حسنة واسماً طيباً تفخر به، ولا تطأطئ به رأسك. وقد أضاعه البعض، أو أكاد أجزم أن النصف قد أضاعه في بلاد المهجر، مع الأسف…كسباً لمال مؤقت أو لحظة عابرة خاسرة.

  • اختفاء الطابع الديني والأخلاقي من المجتمعات الأخرى…  

كمجتمع متأصل في وسط الأمة الإسلامية، بل كان في قيادتها لقرون عديدة، كان الدين هو القدوة والمثل الأول للمجتمع.  

لطالما كانت بلادنا تتسم بطابعها الديني، يكسو هذا الطابع كل شيء فيها، من أسرة وعمل وحي ومسجد أو مدرسة. كل شيء كان يتسم بطابع ديني إسلامي. إن لم تعِ هذا، فاسأل والدك أو جدك.  

فنحن من ساهم في حفظ هذا الدين لثلاثة عشر قرناً مضت، فكيف بنا وقد كاد يضيع في نصف قرن قد زال وإلى الأبد إن شاء الله؟ لطالما أرقتني بل ألمتني هذه الفكرة. لطالما ذكرتها للمقربين مني: كيف تضيع الشام في عهدنا وقد ورثها أجدادنا بزهوتها من أسلافنا؟  

لطالما ألمتني هذه الفكرة كما تؤلمني كلمة جورج بوش الابن عند غزو العراق، قال: “لقد كسرنا هيمنة سنية عمرها ألف سنة في العراق.”…  

  • غياب التعليم والمعلمين والمرشدين…  

وبالطبع، مع الظروف القاسية للحرب والغربة معاً، حدث غياب صفحة العلم عن الأذهان وصعوبة تأمين الاستقرار الذي يمكن من متابعة التعليم.  

وهما الصنف الأرقى لتربط كبار المجتمع وأسسه ببعضه البعض. كيف سيزهو مجتمع ما أو حضارة ما إن لم تتشرف بأساتذتها وعلمائها وتزهو بهم؟ فكيف بنا وقد كان أغلب علمائنا ومشايخ مساجدنا وعمداء جامعاتنا وأساتذتها من المنافقين المسوخ ممن أضاعوا هبة العلم من أجل سلطان زائف زائل!  والحمدلله قد زال.

صديقي عندما تقرأ كتاباً

“أراه أرقى وسيلة واختراع توصل لها العقل البشري لنقل معلومة ما عبر العصور”

تفكر: كم جيلاً عبر هذا الكتاب لكي يصل إلى يدك؟ كم من جيل حمل هذه الأمانة وأداها إليك لكي تقرأها؟ كم من عقل زهى وارتقى في زمنه كي يحفظ لك علمه وعلم أسلافه وحمل الأمانة وتحمل مشقتها لكي تصل إلى عقلك السليم ولـجيلك الوليد الجديد لكي تقرأها وتتصل بعقول السابقين وتتحدث معهم وتفهم وتعقل فكرهم، عبر عصورٍ من الزمن؟  

أخيراً: الصنف الأقذر من القدوة والمثل العليا التي ساهمت بشكل سلبي جداً في تفكيك المجتمع قبل الحرب…  

أجل، قبل الحرب التي قام بها النظام المجرم على شعبه، كان يحاربهم فيها بشكل مخفي وسلس:  

  • الدراما، المسرح والتلفزيون…  

وإن أكثر ما أستبشر به بعد زوال تلك الطائفة النجسة التي حكمت البلاد وأفسدت فيها، هو ان الضابط الأخلاقي للدراما سيعود حتماً، وهي المعلم الأول لكل البسطاء وصغار العقول، الذين لم يتبعوا ولم يرتقوا لأي من درجات التعليم السابقة أوالتهذيب الأخلاقي الذي ذكرتهم…فكل أسباب وطرق التعليم الرئيسية لم تكن لها مكان المعلم لهذا المخلوق سوى الدراما السخيفة. كان ضحيتها بغبائه

فكم أفسدت بهم، وكم شردت منهم، وكم أذى منهم من حوله، وكم جعلتنا نخجل من أنفسنا أننا نرتبط بهم ببلد واحد وتحت مسمى واحد، ولكم أتشمت بهم وأستحقر ذكرهم، ممن أضاع نفسه وأهله وأولاده وعرضه وسمعته وأجداده وأسلافه من أجل خيال ضحل وشهوة فاسدة لكي يعيش حالة واحدة من دراما خسيسة أفسدت في مخيلته وجعلته يظن أنه بطل لفيلم ما.  

أفهمت يا من أضعت سمعة أجدادك وعهد أسلافك من أجل لعاعةٍ من الدنيا؟  

Back

Your cart

0

No products in the basket.

Total
£0.00
Checkout
Empty

This is a unique website which require a more modern browser to work!