هل يوجد أي شيء حقيقي في عصرنا؟

يتصور الكثير من البشر أننا روضنا ذواتنا الداخلية وردود أفعالنا العاطفية إزاء تقدمنا التكنولوجي والمعلوماتي هذا بطريقة ما!

ويدّعي البعض أننا لا نبدو عنيفين، عاطفيين، أسطوريين كأجدادنا القدماء لكن هذا وهم!

هذا التقدم لم يعيد صياغة تركيباتنا، ولا حتى أبسط جزيئاتها، في حقيقة الأمر لا يمكننا أن نطلق عليه تطوراً إنما هو فقط تحسين لشكل حياتنا اليومية وإنما هو تطويرٌ لـ أدواتنا وأساليب عيشنا، بل في الواقع لقد غير هذا التطور شكل ردود أفعالنا الاعقلانية السطحية فقط، بينما أصبح لدينا مساحة أقل للتفكير وللتعبير عن رغباتنا وإرادتنا الحقيقية.

الحقيقة أن الكائن البشري اليوم لم يتطور كثيراً عن سلفة ساكن الكهف الذي طارد الماموث بحثاً عن لقمة العيش فهو لم يزل راضخاً لذات الرغبات الفطرية التي رضخ لها ساكن الكهف

بل هو اليوم متكيف مع التطور الذي التف عبر الزمان من حوله، يستخدم أدوات سابقيه من العباقرة ممن أدركوا حقيقة الأمور وفكروا في مبتغاها وطوروها وعملوا على تحديث الآلات والأدوات التي يستخدمها بشر الحقبة الحالية والتي أسميناها زوراً تطوراً ونسبنا هذا التطور لذواتنا ولأنفسنا، ما نحن عليه الآن ما هو إلا تكيف وتودد للعنة تلازمه ألا وهي لعنة الاعتياد والتأقلم… 

نحن في عصر ملء بالشهوات، الأنانية، الملهيات، وكأن الغباء أصبح فيه سمه مشتركه لكل شيء، كل شيء صٌنع لينتهي، كل شيء مؤقت، زائل، سطحي، زائف، نتعامل يومياً مع الأشباه فقط، أشباه العائلات، أشباه الأصدقاء، أشباه الاحبة، أشباه الحقائق، لا يوجد أي شيء أخلاقي وبالتالي لا شيء حقيقي… 

من أنت حقاً، 
أو هل يوجد أي شيء حقيقي حتى…
تخيل معي حقاً
أغمض عينيك لبرهة من الزمن وتخيل معي،
منذ متى لم تقدر أو حتى تخيلت ما تحب حقاً،
ما أردته لنفسك حقاً… 

في خمسينيات القرن الماضي كان من السهل جداً أن تشتهي أي شيء وتشعر بسعادة غامرة عند امتلاكك له، الآن لم تعد لك القدرة حتى على التمييز بين ما تحب حقاً وبين ما أجبرت على حبه أو شهوته، أجل ما أجبرت عل حبه 

كان للنفس البشرية آنذاك ومن قبلها بعهود طويله حرية الاختيار وحرية الشهوة وحرية اللذة

اليوم أصبحت مستنسخاً عصرياً بنجاح الكل في واحد والواحد في الكل في خدمة الإمبراطورية الجديدة نحب النوع نفسه ونلبس اللون ذاته ونشتهي ذات الرائحة وبصدفه تجد كل ما تشتهي… جميعهم عند بائع واحد ومن مصنع واحد 

فبعد أن هيمنت علينا كافة أنواع المُستهلكات المؤقتة وضجت بها الأسواق وبعد أن لعبت الدعاية لعبتها القذرة بتمويه الألوان والأذواق لشد انتباه “مجبري الاختيار” من المراهقين والسذّج حديثي العهد بالوعي، فركبت اللاوعي الخاص بهم على أنك ستصبح البطل البراق المثالي وإنكِ ستصبحين فتاة الأحلام المختارة فقط عند استهلاككم لتلك المنتجات فانتم وجه الحضارة الذي لا يقهر وأنتم ذاكرة الحاضر الذي لن ينسى في المستقبل، ولا بأس إن نسيت أن تترك لنفسك ولمن يخلفك أي فائدة معنية فهنيأً لك يا أيها البطل الحضاري العصري (المؤقت)

أرى أنه أفضل ما يستطيع كل شخص تقديمه لنفسه، لمستقبله، لعائلته، وللعالم ككل، في وسط هذه العبثية والتيّه الذي نعيشها… 

أن نبذل ما بوسعنا وأن نسارع في حل عقدة سجيتنا وفهم حقيقة ذاتنا دون الرجوع لأحد، طبعاً بعد التعلم الصحيح والفهم الصحيح لمدارك الأشياء والأمور والأهداف علينا البحث عن الجوهر الحقيقي وراء كل شيء نرجوه ونسعى لأجله… 

عندها قد نسقط قليلاً من العبثية والسطحية ونحل الزيف والتصنع الذي يكسو كل شيء من حولنا في هذا العالم المؤقت. 

Back

Your cart

0

No products in the basket.

Total
£0.00
Checkout
Empty

This is a unique website which require a more modern browser to work!