لماذا نُجزى بالرذيلة عندما نقدم الفضيلة

أو لماذا نؤذى ممن نحب

لماذا نحصد الشر عند زرعنا للخير، لماذا نؤذى ممن أحسنا إليهم 

الجواب بمثال بسيط: لإننا أخطئنا اختيار الأرض التي زرعنا فيها الخير…
لأن الإنسان الملوث داخليًا لا يستوعب وجود الأنقياء حوله ووجودك في هذه المعادلة هو حتمًا خسارة بالنسبة لك…

سأستدل كثيراً في مقالي هذا من تجارب وأقوال السابقين من العلماء والفلاسفة والمفكرين لإثبات نظريتي هذه، التي أخذت مني أعواماً لإستنتاجها وقرابة العام حتى أنهيت كتابتها …

لقد قضي على بني البشر العيش بين ميزاني الخير والشر بين الفضيلة والرذيلة والتقصي فيما بينهما…
وهذا هدف الحياة وسببٌ من أسباب وجودها كما هو أيضاً الغاية الأسمى لرسالات الأديان السماوية، فجميعها تدفعنا للتحري بين الخير والشر… وتحضنا على التزام الخلق النبيل والحق لكي ننتصر على أنفسنا وغرائزنا لنيل الثواب أو العقاب…. 

بل في الواقع كل من تحرى الخير والفضيلة والحق… عوقب ممن حوله بلا هواده في أي زمان ومكان.

أذكر إنني قرأت عن روايات الخلق الأولى لدى الصابئة ان الشجرة التي أكل آدم عليه السلام منها هي شجرة المعرفة بين الخير والشر، لذلك عوقب جزائاً لسعيه للحصول على أداة تكشف بين الفضيلة والرذيلة.

“الناس متشابهون إلى حد الكابوس” ~ حسين الفرهودي

يقول روبرت غرين مؤلف كتاب قواعد الطبيعة البشرية :أن البشر حيوانات إجتماعيه حتى النخاع!! وذكر أيضاً أن شخصيات البشر نرجسية بطبعها، لكن لها درجات معينة تختلف من شخصية إلى أخرى 

وألخص كل ما يؤتى في هذا المفهوم بجملة واحدة: 

“بين الجموع تتلاشى العاقبة الأخلاقية”

among the masses the moral burden fades away

اختيارك لمن ستقدم الخير والمساعدة أو حتى النصيحة مهم جدًا، أفعالك هذه ستبدو منطقية وطبيعية بالنسبة لك لكن الكثيرين لا يمتلكون هذه الرؤية لم يرتقوا فكريًا للوصول إلى الفضيلة ولم يتلقوا التربية الصحيحة في طفولتهم لذلك سيفسرون أكثر المعاير الأخلاقية بتفسيرات وهمية كــ الضعف والخجل حتى إنهم سيستغلونها بطرقهم الخبيثة

أجل الواقع ينافي المنطق! أجل المفهوم الحقيقي للواقع متناقض مع المنطق السليم، لكن ما إن تمكنا من فهم هذا التناقض سنتمكن أخيرًا من حل هذه المعضلة الأخلاقية:

وَلا تُعْطِيَنَّ الرَّأْيَ مَنْ لا يُرِيدُهُ      فَلَا أَنْتَ مَحْمُودٌ وَلا الرَّأْيُ نَافِعُهْ
~ الإمام الشافعي 

نعلم جميعًا أن البشر نوعان إما نوع نبيل ذو أخلاق أو نوع آخر لا يلتزم بمعايير وآداب نبيلة أخلاقية

كلما ابتعد مجتمع عن الحق كلما زاد كرههم لمن يقوله ~ جورج اوريل

أرى بهذا المنظور البسيط أن الصنف الآخر الغير ملتزمين أخلاقيًا ممن شذ عن الفضيلة والفطرة البشرية، أصبحوا أقرب للحيوانات منهم للبشر لإنهم يتبعون الغريزة الدونية فمن أفسح المجال لتصرفاته أن تعتمد على الغريزة الحيوانية، قد أخطأ خطأً جوهريًا في حق نفسه أولًا وتعرى من أسمى أداة بشرية لاتخاذ القرار الصحيح ألا وهي العقل…

“إنخفاض مستوى الأخلاق في عصرنا هذا
هو أكبر أزمة تهدد وجودنا كبشر“ 

لهذا السبب نرى الكثيرين ممن زرعوا الخير عوقبوا على عكس أفعالهم النبيلة لأنهم أخطأوا
أولًا في فعل الخير وزرعه لمن يستغل الزارع ويفسد في الزرع…
وثانيًا إن المخلوق الغريزي المفسد بطبعه لا يرى هذا الإفساد أو الآذى أو الاستغلال بل إن ما يفعله ليبدوا طبيعيًا تمامًا بالنسبه لمعاييره الغريزية ففاقد الشيء لا يعطيه … هو لم يتحرى الخير ولم يتلقاه في فترات طفولته الأولى وحتى إنه لا يقدر على رؤية الخير أو الوصول إليه بالطرق النبيلة السليمة فهم تركوا العنان للغريزة الفاسدة لتقود قراراتهم وتصرفاتهم وأفعالهم تجاه البشر الآخرين… 

وترك النفس على سجيتها الغريزية تجعلها تعتمد على الصفات الفاسدة مثل الكبرياء الحسد الحقد الغيرة والكره و…. 

“أحياناً اللطفُ مع بعض النّاس جريمةٌ بحق ذاتك”

عندما نقوم بمساعدة أي شخص طيب أو نبيل سيدرك معنى المساعدة ولم قمت بهذا الفعل ويدرك مساعيها وغالبًا ما سيتصرف معك بالمثل، ويرد الخير بالخير

لكن عند مساعدتك لشخص غير أخلاقي غريزي سيولد اللاوعي لديه احساس بالحسد والكبرياء والتي تصنف على انها أفعال غريزية رذيلية سيرى هذه المساعدة على انها خدش لكبريائه ويشعر تجاه من ساعدة وزرع فيه الخير على انه ذو سلطة أو قوة عليا عليه، مما يولد لديه شعور عدائي غريزي فقط لمحاولة استرداد شعور القوة والتحكم في ذاته…
سيتصرف الشخص هذا بنائاً على غريزته العدائية هذه، وكما ذكرنا سابقًا لا يوجد لدى هذا الشخص أي خبرات أو تجارب في الفضيلة والعطاء مما يجعله يرد الخير بالإساءة…

“ليس إنساناً من كشف نقاط ضعفك فاستغلها”

لكي تستطيع أن تبدّي الفضيلة على الرذيلة يجب ان تكون لديك فطرة سليمة غير ملوثة او مغيبة (كما يفعل التوجه الإعلامي اليوم)، حينها تصبح لديك القدرات الاخلاقية لتمييّز الفضيلة عن الرذيلة أولاً و لكي يكون الفرد قادراً أن يختار الخير على الشر…

لربما إن الذنب الحقيقي هو ذنب من عاش داخل رأسه في أوهامه أكثر مما عاش في العالم الخارجي، حتى تمسك بالواقع النقي الذي بناه داخل عقله وافضى به إلى تحري المثالية في كل شيء إلى أن اودت به إلى الانفصال عن المجتمع والواقع المحيط به، فالمجتمعات اليوم تتوقع منك شيء، ثم يعاقبونك على سوء فهمهم وخيبه ظنونهم بك.

“إن الإفراط في أمتلاك الوعي ما هو إلا علة، علة مرضية حقيقة وتامة” ~ آرثر شوبنهاور

‏وإن البعض ليفترض عنك قصة خيالة مبنيه على شكوك وأوهام مدعمه بغريزته الفاسدة، وحين لا تتطابق حقيقتك مع فرضيتهم يشككون فيك وفي كل شيء تقوله أو تفعله…

“لم أنسحب من العالم لأن لي فيه أعداء وإنما أصدقاء… وليس لأنهم كانوا يسيئون إليَّ كما هو معتاد وإنما لأنهم كانوا يظنونني أفضل مما أنا عليه, فهذه كذبة لم أستطع تحملها” ~ ألبير كامو

إن أخبرنا أحدهم أنه ملتزم أخلاقيًا لحد المثالية لقال البعض إنه مبالغ أو يبدو متعجرفًا وربما مغرورًا حتى، لكن في الحقيقية إنه لأمر ممكن لأن من سعى إلى نهج الفضيلة سعيًا وهذب نفسه واجبرها على عاداتٍ تناسب الفضيلة فسوف تقود أفعاله إلى أن يراها بشكل واضح كما يرى الرذيلة بشكل واضح لا لبس فيهما 

حقًا إني بطبيعتي لأشمئز من الزيف الذي نحيط به انفسنا في لقاءاتنا الأولى لا استطيع أن اصطنع البسمة أو اكذب بها على من اقابله أن احسست منه تصنعًا ماكرًا أو خداعًا
فحدثُنا غالبًا ما يكون صادقًا في لقاءاتنا الأولى، الطيبون يخٌدعون من الناس بسهولة لذلك يجب ان نتحرى الحدث الداخلي ونعتمد عليه الذي نادرًا ما يخطئ في تحديده بين الفضيلة والرذيلة في تصرفات البشر وغاياتهم… 

وفي الحقيقية السير في هذا الطريق والعمل على هذا المنهج مرهق ومتعب وحتى إنه سيوردنا الكثير من الخسارات، الوحدة، التفكر والكثير من الكراهية ممن حولنا

“لله در الصدق لم يترك لي صاحبا” ~ عمر ابن الخطاب

بعض الحلول للتعامل مع الصنف الآخر:

أولاً: عليك إختيار النفس التي ستزرع فيها الخير فإن كانت فاسدة لن تنبت لك إلا سٌماً وإن كانت نفساً طيبه فهنيئاً لك…

ثانياً: أرتق بنفسك، حتى وإن أخطأت وزرعت الخير في غير أهله… تعلم درسك توقف وأرحل…

 لا تصارع خنزيراً في الوحل فتتسخ أنت ويستمتع هو ~ جورج برنارد شو

عند دخولك بأي معترك وهي حتماً معركة خاسرة بالنسبة لك، عند مشاركتك بأي شكل من أشكال الصدام مع الحمقى وعديمي الخُلق مع نفس قذرة لا تمد للفضيلة بصلة سينقص من قدرك أنت فقط، بينما يتلذذون هم في قذارتهم…
لأن القذارة بالنسبة لهم أسلوب حياة وخبرة طويلة وغريزة أساسية!

إرتق بنفسك، تجاهل وخذ بهذه النصيحة:

بعض المعارك في خسرانها شرفٌ      من عاد منتصراً من مثلها انهزما

إن من أحب الذل ينتقم من نفسه، ويعفي الناس من عقابه، ويكفيهم مؤنة نفسه، ولا يستحق إلا إبتسامة تمزج التعجب بالشفقة. ~ تميم البرغوثي

ثالثاً: ضع حدودك لنفسك واحترمها
وضع معايير ومبادئ أخلاقية عالية يجنبك الكثير من التجارب المبتذلة 

واياك وان تجعل اي انسان يشعر بعدم وجود حدود او عقوبة لأي فعلٍ رذيل مهما كان الفعل كبير أو صغير، مهما كانت درجة قرب الإنسان منك، لان من أمن العقاب أساء الأدب.

قد رشحوك لأمرٍ إن فطِنت له      فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهملِ

~الطغرائي

سكوتنا عن الاخطاء وتغاضينا عن المخطئين
هو رذيلة وعيب قادح نتعايش معه في حياتنا
ونحمل خطيئته بعد مماتنا 

رابعاً: لا تتوقع منهم شيئاً جيداً

إن أغلب من ترك العنان لغريزته لتقوده يريد اللذة والشعور بالأهمية، لا يجب علينا أن نعطيهم ما يريدون لنرى حقيقتهم. وان امتلكوا ما أرادوا افسدوا كل شيء …

علينا فقط تقبلهم كما هم، لكن علينا وضعهم في مكانهم المناسب، لا نتوقع منهم الكثير يجب أن نترك دائماً في توقعاتنا مكاناً للخيبة والألم…
التوقعات الجيدة تجاههم تعني عاطفة زائدة وبالتالي ضعف… سنُخذل وسنُستغل سيتصرفون بنائاً على غريزتهم وهذا لامحال ولا مفر منه.

“ إذا صادفت أي صفة حقيرة أو غبية في شخصٍ ما، فيجب ألا تزعجك أو تغضبك، بل أنظر إليها كإضافة إلى معارفك وهي حقيقة جديدة يجب أن تأخذها بعين الاعتبار أثناء دراستك للطبيعة البشرية، ليكون موقفك مثل عالم المعادن الذي عثر على عينة مميزة جداً من معدن مٌعين أمامه ” ~ آرثر شوبنهاور

أعلم أن الحياة في مجتمعاتنا اليوم أصبحت صعبة جداً، وربما لا تطاق، وكأن مس من الجنون ضرب كل شيء من حولنا، لربما أصبح الواقع مقيتاً حقاً لمن أراد تحري الصدق، الحق، والحقيقة، الفضيلة وحتى الراحة الأمر صعبٌ جداً أصبحنا وكاننا نحاول العيش بين مستنقعات للممسوخين أخلاقياً، نحاول جاهدين الفرار للنجاة منها دون أن نتسخ بها بشيء. 

“لن تستطيع أن تُحارب قبح العالم دون أن تتلوث منهُ بشيء ” ~ ديستوفسكي

ونصيحتي لهذا الصنف الآخر الندم تصرف عقلاني وواجب وكما انه بداية الطريق إلى الفضيلة، والاعتراف بالذنب خصلة منها… لكن اطالته غباء و التعايش بدونه حمق و كثرة استخدامه استخفاف بالذات والبعد عنه لئم.

Back

Your cart

0

No products in the basket.

Total
£0.00
Checkout
Empty

This is a unique website which require a more modern browser to work!