الشام – خمس عقود من الحكم السادي

للشام تاريخ عريق، منها برزت أولى معالم الحضارات البشرية وامتد على مدى التاريخ، ثم تكلل هذا التاريخ وتشرف بحضنِه للإسلام. زهت فيه دمشق بعهد الأمويين، وزها معها العالم من حولها، صدّرت حضارة الأندلس، ازدهرت في أوروبا لسبعة قرون، وبزغ منها نور العلم الذي ساهم في صعود وازدهار أكبر عواصم العالم الحالي…

Dabbas Articles syria Palmyre

ثم خفتت الشام لخمس عقود من الزمن

لخمس عقود من الحكم السادي، عاشت خلالها تحت وطأة قمعٍ مفرط، وخرابٍ طال كل جوانب الحياة. عاشت سنوات طويلة من الاستبداد الذي خنق صوت الشعب، وحطم آماله، وأذل كرامته. خمس عقود كانت كفيلة بأن تجعل من الأرض الصلبة سجناً مفتوحاً، والأرواح أسرى بين جدران الصمت القاسي. في تلك الحقبة، كانت سوريا حبيسة قبضة طغيان لا يرحم، يتلاعب بمصيرها طغاة لا يعرفون سوى لغة العنف والمصالح الشخصية على حساب الأرض والشعب.

تسلّط عليها صعاليك من أشباه البشر، حاولوا بشتى الطرق وأخبثها خَبْتَ حضارتها وإطفاء إشراقتها، لكن عبثًا تشتّتت جهودهم وتفرّقت جموعهم الهمجية. وكعادة أهلها، سطّروا أروع صور البطولة في تاريخها، بطولة لا تقل قسوةً وصدىً عن مشاهد القسوة التي عانتها في ظل تلك العقود الخمس.

كاتبين بثورتنا أروع القصص التي ظننا أنها لن تُسمع إلا في كتب التاريخ، شهدناها وسمعنا عن أبطالها في الخفاء والعلن، وفي شتى بقاعها ومن مختلف أطيافها…

كتبتُ هذا المقال على مدى عشر سنوات على شكل مقاطع، كل مقطع كُتب بشعور مختلف، وواقعٍ أكثر اختلافًا تمامًا عن الآخر. كم غصصتُ بكلماته، وأحرقني قهر تعابيره، وظلّت حسرةٌ في خلدي خوفًا من استمرار تلك الحقبة المظلمة التي لا تمت لهذه الأرض، ولا لهذا التاريخ، ولا لمجتمعنا بأي صلة.

المقطع الأول في أواخر عام ٢٠١٦

إن ما شهدته سوريا خلال ست سنوات من الحرب، ومع تكرار المشهد اليومي في كل شبر فيها، ومع تكالب الأمم عليها من كل حدبٍ وصوب، يمكننا الجزم الآن بأن ما يحدث هو من أعتى صور الوحشية والجهل التي وصل إليها البشر في ظل هذا التطور والحضارة المزعومين.

في عصرنا الحالي وبين مؤسساتنا الدولية وحكومات الدول الكبيرة، كل ما يُدعى من حرية وإنسانية الآن ما هو إلا أذلّ أنواع العبودية التي لا فكاك منها.
توارثنا خطايا أجدادنا ونورثها لأحفادنا قسرًا لا عمدًا. لا يمكننا أن نشعل شمعة في هذه اللعنة المظلمة ونحن لا نزال جاهلين بسبب عتمتنا، وإذا لم نُضِئ عقولنا ونَهَب لأرواحنا نورًا مستمدًا من فطرية الخلق الأول الذي جُبِلنا عليه، فهنيئًا لنا دوام الذل والاستعباد.

اليوم، وبعد أن وصلنا إلى الدرك الأسفل من مصاف الأمم، وبكل ما نحتويه من جهلٍ وقِصر وعيٍ، إذا أردنا أن ننسف واقعنا المخزي ونغيّر حاضرنا، فليس لنا إلا العلم وسيلةً حاضرةً ننتفض بها، لنبني به أنفسنا ونعيد مجد حضارتنا التي كانت عليه.

كما علينا أن نترك كل مسببات واقعنا وتفسيراته العقيمة التي تزيده سوءًا وفشلًا، علينا أن نبدأ بأنفسنا فنصلحها، ثم نصلح أسرنا، ثم مجتمعنا، وصولًا إلى مهد حضارتنا.

٢٣ أيلول ٢٠١٦

  • المقطع الثاني “الأشد سوداوية” في أواخر عام ٢٠٢٠

تاريخ آَمَدي مرّ على امتداد هذه البقعة من الأرض، منه ما نذكره وما لا نذكره، أو ربما يُخيّل إلينا أنه قد مرّ عليها.
بدأت ذكراها كمهدٍ للحضارات، نشأت واندثرت عليها، تغيّرت ملامحها وألوانها، وبقيت هكذا تترقّب من يتوالى عليها زمنًا بعد زمن، جميعهم حافظوا على أثرها وأصلها، وأضافوا إليها ألوانهم وملامحهم. بقيت تذكر طفولتها وشبابها فيهم ومن بعدهم…

حتى جاء عهدنا، في زمن كبوتها، ورثناها بالتوالي، ولسوء حظها، جثا من خلالنا من يرتع في رحابها عابثين بأصلها، ليعبثوا بحضارتها، ظنًا منهم أنهم سيضفون عليها لونًا أو ملمحًا يغطي سابق عهدها.

غير مدركين عبثيتهم وانحطاطهم، طمسوا إرثها وغيبوا معالمها،  غزاة حاقدون أتوا ليروا ظمأ غيّرتهم من مجدها وأصالتها. 

تناسوا كم من الغزاة تعاقبوا عليها ودُحِروا، وبقيت هي تزهو بعراقتها وبفضل مقاومة أهلها. 

فقد كانوا أهلًا لها، احتضنتهم في كنفها، وسارت بملامحهم وألوانهم تُخبر الأزمان عن أمجادهم، وتحفظ أصالتها من بعدهم.  

حتى جئنا نحن، تاركينهم يمعنون في محو إرثها وطمس مجدها. 

والله لتؤلمني عبرة خانقة كلما مر بخاطري هذا: ألم نكن أهلًا لها، ولم نكن كسابق عهد رجالها، لنضع لوننا ونمضي كما مضى من سبقنا. أو ربما لأننا لم نكن جديرين بها.

وأما نحن، الذين تركناها ورحلنا عنها، كيف لنا أن نستعيد مجدنا الذي بناه أسلافنا الأولون؟ إن نحن تركناها لغزاةٍ حاقدين…  

ومن بقي فيها، لا يزال يصفّق يوميًا لجلاديه الكثيرين، ويرتجي منهم رحمةً أو هبةً لينقذ نفسه من عذاب سطوتهم وضرباتهم. وهل يستكين الجلاد لصوت من يعذّبهم، أم يُخيّل إليه أنه يعزف مقطوعة فريدة يُمجّد بها أسياده ويرتجي بها رضاهم؟

 كيف لنا لهم أن يرتجوا شفقتهم ورحمتهم، وقد سُلّطوا علينا بأراذلنا، يفسدون فينا كيف شاؤوا وأنى أرادوا؟!  

١٥ أب ٢٠٢٠

  • المقطع الثالث في أذار عام ٢٠٢١
    عند بدء عودة تلميع النظام على الساحة السياسية

شهدت سوريا في العقود الماضية ممارسات ممنهجة للتعذيب مما أدى إلى مقتل مئات الآلاف من الرجال والنساء، وأعداد مماثلة من الذين خرجوا من تجربة التعذيب بإعاقات نفسية وجسدية أثرت فيهم وبمن حولهم من أقارب وأصدقاء…

أكاد أجزم أنه كل أو معظم هؤلاء المعتقلين يُعذبون بسبب توجههم الديني والسياسي…

أتحدى كل طاغية وسجّان عربي أن يكون أحدٌ من المعتقلين لديهم ممن يستحق العذاب فعلاً كـ القتلة والمغتصبين وباعة الأعضاء واللصوص و…الخ ففي بلادنا يُعذب فقط ذو الحق والفكر والدين.

المقاومة رد فعل طبيعي تجاه أي ظلم، ومن ينكر ذلك عليه تصحيح فطرته البشرية السليمة التي خلق الله الناس عليها…

ردود الأفعال والتصرفات الهمجية التي تقوم بها المنظومة القذرة التي تدير سوريا حاليًا تدل على قذارة وهمجية قادة الدول الداعمة لها أيضًا، تلك الحكومات ستفعل المثل وأكثر في شعوبها عندما تنتفض وتتطالب بأي تغيير بأسلوب او شكل الحكم لديها…

ستالين فعل أكثر من ذلك بكثير وقتل ما يقارب على 30 مليون شخص لكن كتب التاريخ والإعلام لا يلعنه كمل يفعل مع هتلر

والأمثلة والأدلة على ذلك كثيرة: الأندلس، الاهواز، فلسطين والإيغور… 

يبدو ان المصالح تُنعم الدكتاتوريات و الجرائم.. مهما بدا لنا غير ذلك

نعمل أعلم أن في السياسة لا عدو دائم ولا صديق دائم… فقط مصالح… 

لكن أليس السياسي الناجح هو من يجيد استخدام المصالح بطرق تطابق مبادئه النبيلة! 

أما فينا رجل حكيم!!

طالما أن كثيرين في بلادنا يحكموننا بوظيفة مرتزقة، هم عبيد لمن يشغلهم ويدعمهم، فستظل بلادنا مجرد حظائر بشرية بلا أمل ولا مستقبل، القادر على الهروب منها مولود جديد، والباقي فيها ميت لا محالة، أما البشري الوحيد فيهم فهو المقاوم منهم، في سره أو علنه، فالمقاومة حق وشكل من أشكال الفطرة البشرية.

Dabbas Articles syria3

المنتصر من يصل للنهاية بثبات على الخلق والمبادئ النبيلة.

النبلاء دائمًا ينتصرون وإن كانوا قلة وضعاف…

١٧ آذار ٢٠٢١

  • المقطع ما قبل الأخير والأجمل في أواخر عام ٢٠٢٤

هرب كالجرذ أغاظنا ساقطاً وحاضراً

انتهت وظيفته كقاتل مأجور، وكـ بواب بعد أن نهب خيرات حضارة عمرها آلاف السنين، أتعب أرضها وأهلها، وسلمها لجميع أعدائها عاثوا فيها أسوأ أشكال العذاب…

Dabbas Articles syria5

سقوط النظام بدء ب ٢٠١١ بل منذ ١٩٨٢ وسينتهي بتحرير صيدنايا…

إن تحرر سيخرج لنا بأسوأ قصص الحضارة البشرية.

أتساءل كيف لمثل هذه المشاهد أن تُنسى، كيف لها أن توجد من الأساس! ألم يكن لسجانها عيون فيرى شنيع ما يصنع؟

رسالة لزبانية الطغاة ومؤيديهم…

لا أظن أن طاغية عبر الزمان أمر الناس بعبادته مما وصلنا أخباره غير فرعون، ومما شهدناه عيانًا طاغية الشام المخلوع الجرذ بشار.

أمر الناس بعبادته حرفيًا وتخلى عن زبانيته جميعًا بين ليله وضحاها، لقد عبدوه وأمروا الناس بعبادته وتخلى عنهم!! ف يا أتباع الطغاة الحاليين لكم أتمنى أن تكون في هذه عبرة لكم، لا أظن أن أحدًا منكم كان أقرب لطاغيته مما كان عليه زبانيه بشار من الوله والحب والتأييد والعبادة…. وتركهم لمصيرهم المحتوم، لمقصلة الشعب، ولمحكمة الشارع… تركهم جميعًا عن بكره أبيهم…

كأن لسان حاله يقول كما يقول إبليس لزبانيته: “أمرتكم واتبعتم لأمري فما أنا بمصرخكم من العذاب وما أنتم بمصرخي”، لعل في هذا السرد عبرة لكم…

أخاطب مؤيدي الطغاة لأنهم اليد الفاعلة في البلاد والسوط المتسلط على العباد، أما طغاتهم فهم دون البشر من الفهم وأقل منهم من الوعي والإدراك عن فحوى ما اقترفوه أو مرامي ما نقصده في رسالتنا، أما جلادو الطغاة وزبانيتهم فهم من الحيوانات أقل دركًا وأسفل معشرًا فلا هم استخدموا عقولهم ولا هم لاذوا بفطرتهم ولا هم اعتبروا بضحاياهم…

٨ ديسمبر ٢٠٢٤
09:21AM

  • المقطع الأخير، بداية عام ٢٠٢٥

كل الكلام عن خيانة الجرذ بشار هو استعلاء لشأنه الخسيس، هو لم يخن سوريا ولا العرب ولا إيران ولا روسيا، فهو ضد كل هؤلاء في الأساس، وهو كشخص أصغر من أن يحكم بأمره ويقرر بنفسه.

هو مختل نفسيًا، مريض مرهون لمشغليه، ورث من أبيه حافظ الأسد وصايةً جبريةً على سوريا بتوكيل فرنسي بدايةً.

BBC Documentary شاهدت عام ٢٠١٨ وثائقي خاص  طرحته

The Dangerous Dynasty: House of Assad  

ظهر كـ أبله لا يستطيع اتخاذ أدنى قرار شخصي، ظهر أنه يمكن التحكم به كواجهة لنظام فاسد ويقاد من قبل زوجته أسماء ابنة عراب البنوك في بريطانيا، فواز الأخرس، وحتى في الوثائقي نفسه تحدثوا عن اجتماع ضباط من MI6 وهم فريق الاستخبارات الخاص بالمملكة المتحدة مع أسماء وضابط سوري وبشار في لندن عام 1997.

ومما أذكر من الوثائقي حديث معلمه للغة الإنجليزية في قصر والده في اللاذقية، أن حافظ كلما رآه يلعب مع أحد ما كان يحمله بعنف بيد واحدة ويرميه بقوة على الجدار أو لآخر الغرفة قائلاً: “اللعب لا يلق بك، ستقود بلداً يومًا ما”، وذكر المعلم أن الحادثة تكررت أكثر من مرة معه ومع إخوته.

وأذكر أيضًا مشهدًا آخر عندما التقى ملكة المملكة المتحدة في عام 2010 بلندن، قال بضحكة بلهاء: “لقد كنت أدرس هنا وأمر من هذا الشارع لسنوات”… أي سخف وأي لباقة سياسية هذه الكلمات ينطق بها رئيس دولة عريقة مثل سوريا؟! هكذا ترهات تسقط الهيبة من شخصية تجارية، أو حتى ثقافية، فكيف بشخص سياسي؟

نعود إلى تشغيله بالوكالة

بعد أن عين وكيلاً لفرنسا خلفاً لوالده ثم بتوكيل إسرائيلي صهيوني، تعهد بشار بحفظ الأمانة أمام مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأميركية يوم دفن والده الملعون 

هو لم يُخِن إسرائيل، فقد أدى مهمته على أكمل وجه حتى الساعة الأخيرة، نشر الطائفية والرعب والمخدرات والفساد والجهل، وسلم تل أبيب إحداثيات ما تبقى من الأسلحة السورية الثقيلة قبل هروبه، وتجسَّس لها طويلاً على الإيرانيين وحزب الله في سوريا ولبنان، ونكَّـل بأهل بلاد الشام والعراق أيضًا، التي تسعى إسرائيل لمسح شعوبها في طريقها نحو تحقيق مشروع إسرائيل الكبرى وهو مشروع نهايتها.

وكما وصف هنري كيسنجر الملعون حافظ والد بشار الجرذ: “ضابط مخابرات غربي برتبة رئيس جمهورية”.
من كتاب سقوط الجولان لخليل مصطفى

واليوم أكاد أجزم بواقعية ما أفكر به على أنه قد حصل. هذا الجرذ سقط منذ زمن بعيد، أجل، سقط مع أول روح طفل أزهقها في سوريا. وما حصل في ٨ ديسمبر كان على النحو التالي: تلقى اتصالاً من مشغليه، ممن كان يخدم مصالحكم هو ووالده لعقود، معلنين انتهاء عمله وضرده من مهمته التي فشل فيها حتى، بقمع وسرقة ما تبقى من الشعب المتعب المقهور، وبإحكام السيطرة على تجارة المخدرات، واستباحة أراضي البلد، وتأجيرها لتجربة شتى أنواع الأسلحة على أهلها…

أخيراً 

Dabbas Articles syria4

الحمد لله الذي أحيانا لنشهد واحدة من أروع معجزاته، ما كان أكثرنا يظن أن نشهده لشدة بلائنا واستحكام القهر فينا. الحمد لله الذي نصر ثورتنا، وأعز أهلنا، ونصر جندنا، وحرر معتقلينا، الحمد لله الذي أعاد البهجة لإشراقة الشمس في بلادنا.

والحمد لله الذي أزال خوفنا، وجبر قهرنا، وأعاد بريق الأمل لنا، ونسأله على إعانتنا لإعادة بناء مستقبل شامنا إلى ما تستحق من زهو وفخر وعز، لنعيد لها ما يليق بماضيها، ويستحقه حاضرها، وينتظره مستقبلها.

Back

Your cart

0

No products in the basket.

Total
£0.00
Checkout
Empty

This is a unique website which require a more modern browser to work!